سورة الشورى - تفسير تفسير الثعلبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشورى)


        


{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (24) وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (26) وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27) وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28)}
{أَمْ يَقُولُونَ} يعني كفّار مكّة. {افترى عَلَى الله كَذِباً فَإِن يَشَإِ الله يَخْتِمْ على قَلْبِكَ}. قال مجاهد: يعني يربط عليه بالصبر حتّى لا يشق عليك أذاهم، وقال قتادة: يعني يطبع على قلبك فينسيك للقرآن، فأخبرهم إنّهُ لو افترى على الله لفعل به ما أخبرهم في الآية.
ثمّ ابتدأ، فقال عزّ من قائل: {وَيَمْحُ الله الباطل}. قال الكسائي: فيه تقديم وتأخير. مجازه: الله يمحو الباطل. فحذفت منه الواو في المصحف، وهو في وضع رفع كما حذفت من قوله: {وَيَدْعُ الإنسان} [الإسراء: 11] {سَنَدْعُ الزبانية} [العلق: 18] على اللفظ.
{وَيُحِقُّ الحق بِكَلِمَاتِهِ}. [.......]. {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور} قال ابن عباس: لما نزلت {لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً...} وقع في قلوب قوم منها شيء، وقالوا: ما يريد إلاّ أن يحثنا على أقاربه من بعده. ثمّ خرجوا، فنزل جبريل عليه السلام فأخبره إنّهم اتهموه وأنزل هذه الآية، فقال القوم: يا رسول الله فإنّا نشهد إنّك صادق، فنزل {وَهُوَ الذي يَقْبَلُ التوبة عَنْ عِبَادِهِ} وأختلفت عبارات العلماء في حقيقة التوبة وشرائطها.
أخبرنا الإمام أبو القاسم الحسن بن محمّد بن حبيب بقراءته عليّ. في شهور سنة ثمان وثمانين وثلثمائة، حدثنا محمّد بن سليمان بن منصور، حدثنا محمّد مسكان بن جبلة بسّاوة. أخبرنا عبد الله بن عبد العزيز بن أبي داود عن إبراهيم بن طهمّان عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله، قال: دخل إعرابي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: اللَّهمّ إنّي استغفرك وأتوب إليك، سريعاً وكبّر، فلما فرغ من صلاته قال له علي: يا هذا إنّ سرعة اللسان بالاستغفار توبة الكذّابين، وتوبتك تحتاج إلى توبة، قال: يا أمير المؤمنين وما التوبة؟ قال: اسم يقع على ستة معاني: على الماضي من الذنوب الندامة، ولتضييع الفرائض الإعادة، وردّ المظالم، وإذابة النفس في الطاعة كما أذبتها في المعصية، وإذاقة النفس مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعصية، والبكاء بدل كُلّ ضحك ضحكته.
وسمعت الحسن بن محمّد بن الحسن، يقول: سمعت إبراهيم بن يزيد، يقول: سمعت حسن بن محمّد الترمذي يقول: قيل لأبي بكر محمّد بن مر الوراق: متى يكون الرجل تائباً؟ فقال: إذا رجع إلى الله فراقبه واستحياهُ وخاف نقمته فيما عصاه، وألتجاء إلى رحمته فرجاه، وذكر حلمه في ستره فأبكاه، وندم على مكروه أتاه، وشكر ربّه على ما أتاه، وفهم عن الله وعظه فوعاه، وحفظ عهده فيما أوصاه.
وسمعت الحسن بن محمّد بن حبيب، يقول: سمعت أبا منصور محمّد بن محمّد بن سمعان المذكر، يقول: سمعت أبا بكر بن الشاه الصوفي الفارسي، يقول: سئل الحرب بن أسد المحاسبي: من التائب؟ فقال: من رأى نفسه من الذنوب معصوماً، وللخيرات موفقاً، ورأى الفرح من قلبه غائباً والحزن فيه باقياً، وأحبّه أهل الخير، وهابه أهل الشّر، ورأى القليل من الدّنيا كثيراً، ورأى الكثير من عمل الآخرة قليلاً، ورأى قلبه فارغاً من كلّ ما ضمن له، مشتغلاً بكلّ ما أمر به.
وقال السري بن المغلس السقطي: التوبة صدق العزيمة على ترك الذنوب، والإنابة بالقلب إلى علام الغيوب، والندامة على ما فرط من العيوب، والاستقصاء في المحاسبة مع النفس بالاستكانة والخضوع.
وقال عمرو بن عثمان: ملاك التوبة إصلاح القوت.
وسمعت أبا القاسم بن أبي بكر بن عبد الله البابي، يقول: سمعت أبا يعلي حمزة بن وهب الطبري، يقول: سمعت الحسن بن علوية الدامغاني، يقول: سمعت يحيى بن معاذ، وسئل: من التائب؟ فقال: من كسر شبابه على رأسه وكسر الدّنيا على رأس الشيطان، ولزم الفطام حتّى أتاه الحمام.
وقال سهل بن عبد الله: التوبة، الانتقال من الأحوال المذمومة إلى الأحوال المحمودة، وسئل ابن الحسن البوشيخي: عن التوبة؟ فقال: إذا ذكرت الذنب فلا تجد حلاوته في قلبك.
وقال الراعي: التوبة ترك المعاصي نيةً وفعلاً، والإقبال على الطاعة نيةً وفعلاً، وسمعت أبا القاسم الحبيبي، يقول: سمعت أبا عبد الله محمد بن عماد البغدادي، يقول: سئل جنيد: من التائب؟
فقال: من تاب ما دون الله.
وقال شاه الكرماني: إترك الدّنيا وقد تبت وخالف هواك وقد وصلت، ويعفو عن السيئات إذا تابوا فيمحوها.
أخبرنا الحسن بن محمّد بن الحسن بن جعفر، حدثنا أبي، حدثنا جعفر بن سواد، حدثنا عطيه بن لفته، حدثنا أبي، حدثنا الزبيري، عن الزهري عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله تعالى أفرح بتوبة عبده المؤمن من الضال الواجد، ومن العقيم الوالد، ومن الظمآن الوارد. فمن تاب إلى الله تعالى توبة نصوحاً أنسى الله حافظيه وبقاع الأرض خطاياه وذنوبه».
أو قال: «ذنوبه وخطاياه».
{وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ}. قرأ الأعمش وحمزة والكسائي وخلف بالتاء، وهي قراءة عبد الله وأصحابه، ورواية حفص عن عاصم غيرهم بالياء، وهي اختيار أبي عبيد، قال: لأنّه لمن خبرني عن قوم. قال قبله: عن عباده، وقال بعده: ويزيدهم من فضله.
{وَيَسْتَجِيبُ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} أي يطيع الّذين آمنوا ربّهم في قول بعضهم. جعل الفعل للّذين آمنوا، وقال الآخرون: {وَيَسْتَجِيبُ الذين آمَنُواْ} جعلوا الإجابة فعل الله تعالى، وهو الأصوب والأعجب إليَّ لأنّه وقع بين فعلين لله تعالى: الأول قوله: {يَقْبَلُ} والثاني {وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ}، ومعنى الآية: ويجيب الله المؤمنين إذا دعوه، وقيل: معناه نجيب دعاء المؤمنين بعضهم لبعض.
أخبرنا عبد الله بن حامد الوزان، أخبرنا مكي بن عبدان، حدثنا عبد الله بن هاشم، حدثنا أبو معاوية بن الأعمش، عن شقيق بن سلمة، عن سلمة بن سبره، قال: خطبنا معاذ بالشام، فقال: أنتم المؤمنون وأنتم أهل الجنّة والله إنّي لأرجو أن يدخل الجنّة من تسبون من فارس والرّوم وذلك بأن أحدهم إذا عمل لأحدكم العمل، قال: أحسنت يرحمك الله أحسنت بارك الله فيك ويقول الله سبحانه وتعالى: {وَيَسْتَجِيبُ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات}.
{وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ والكافرون لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ}.
أخبرنا الحسين بن محمّد الثقفي، حدثنا الفضل بن الفضل الكندي، حدثني أبو أحمد عبد الله بن أحمد الزعفراني الهمذاني، حدثنا محمد بن الحسين بن قتيبة بعسقلان، حدثنا محمد بن أيوب بن سويد، حدثني أبي، عن أبي بكر الهذلي، عن أبي صالح عن ابن عباس في قول الله تعالى: {وَيَسْتَجِيبُ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات}، قال: تشفّعهم في إخوانهم. {وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ}. قال: في إخوان إخوانهم.
{وَلَوْ بَسَطَ الله الرزق لِعِبَادِهِ}. الآية نزلت في قوم من أهل الصفّة تمنوا سعة الدّنيا والغنى. قال خباب بن لادن: فينا نزلت هذه الآية وذلك إنّا نظرنا إلى بني قريظة والنضير وبني القينقاع، فتمنيناها فأنزل الله تعالى {وَلَوْ بَسَطَ الله} أي وسع الرزق لعباده.
{لَبَغَوْاْ فِي الأرض} أي لطغوا وعصوا. قال ابن عباس: بغيهم ظلماً، منزلة بعد منزلة ودابة بعد دابة ومركباً بعد مركب وملبساً بعد ملبس.
أخبرنا الحسين بن محمد بن إبراهيم التبستاني الإصبهاني، حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن العباس العصمي الهروي، أخبرني محمد بن علي بن الحسين، حدثنا أحمد بن صالح الكرابيسي، يقول: سمعت قصير بن يحيى يقول: قال: شقيق بن إبراهيم في قول الله تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ الله الرزق لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي الأرض}، قال: لو رزق الله العباد من غير كسب وتفرغوا عن المعاش والكسب لطغوا في الأرض وبغوا وسعوا في الأرض فساداً، ولكن شغلهم بالكسب والمعاش رحمة منه وامتناناً.
{ولكن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ} أرزاقهم {بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ} لكفايتهم. قال مقاتل: {ولكن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ} فجعل واحداً فقيراً وآخراً غنياً.
{إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ}. قال قتادة: في هذه الآية كان يقال: خير الرزق ما لا يطغيك ولا يلهيك، وذكر لنا إنّ نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «أخوف ما أخاف على أمتي، زهرة الدّنيا وكثرتها».
أخبرنا الحسين بن محمد بن فنجويه، حدثنا عبد الله بن محمد بن شنبه، حدثنا أبو جعفر محمد بن الغفار الزرقاني، حدثنا محمد بن يحيى الأزدي، حدثنا أبو حفص عمر بن سعيد الدمشقي، حدثنا صدقة بن عبد الله، حدثنا عبد الكريم الجزري، عن أنس بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه السلام، عن ربّه عزّ وجلّ قال: «من أهان لي وليّاً، فقد بارزني بالمحاربة، وإنّي لأسرع شيء إلى نصرة أوليائي، وإنّي لأغضب لهم كما يغضب الليث الحرد، وما ترددت عن شيء أنا فاعله، ترددي عن قبض روح عبدي المؤمن، يكره الموت وأنا أكره إساءته، ولا بد له منه، فإذا أحببته كنت له سمعاً وبصراً ولسانا ويداً ومؤيداً، إن سألني أعطيته وإن دعاني استجبت له وإنَّ من عبادي المؤمنين لمن يسألني الباب من العبادة، ولو أعطيته إياه دخله العجب فأفسده، وإنّ من عبادي المؤمنين، لمن لا يصلحه إلاّ السقم ولو صححته لأفسدهُ ذلك، وإنّ من عبادي المؤمنين لمن لا يصلحه إلاّ الصحّة، ولو أسقمته لأفسده ذلك، وإنّ من عبادي المؤمنين لمن لا يصلحه إلاّ الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك، وإنَّ من عبادي المؤمنين لمن لا يصلحه إلاّ الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك. إنّي أدبر عبادي لعلمي بقلوبهم إنّي عليمٌ خبيرٌ».
قال صدقة: وسمعت أبان بن أبي عياش يحدث بهذا الحديث، عن أنس بن مالك ثمّ يقول: اللّهمّ إنّي من عبادك المؤمنين الّذين لا يصلحهم إلاّ الغنى فلا تفقرني.
{وَهُوَ الذي يُنَزِّلُ الغيث} يعني المطر، سمي بذلك لأنّه يغيث النّاس أي يجيرهم ويصلح حالهم.
قال الأصمعي: مررت ببعض قبائل العرب وقد مطروا، فسألت عجوز منهم، كم أتاكم المطر؟ فقالت: غثنا ما شئنا.
{مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ} ويبسط مطره نظيره قوله: {وَهُوَ الذي يُرْسِلُ الرياح بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [الأعراف: 57].
أخبرنا شعيب بن محمد، أخبرنا أبو الأزهر، حدثنا روح، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: ذُكر لنا أنّ رجلاً أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: ياأمير المؤمنين قحط المطر وقنط النّاس. قال: مطرتم، ثمّ قال: {وَهُوَ الذي يُنَزِّلُ الغيث مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ}.
{وَهُوَ الولي الحميد}.


{وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29) وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (31) وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (35) فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37)}
{وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السماوات والأرض وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَآبَّةٍ وَهُوَ على جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ * وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} من الإجرام والآثام. {وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ} منها فلا يؤاخذكم بها.
وقرأ أهل المدينة والشام بما بغير فاء، وكذلك هي في مصاحفهم، وقرأ الباقون {فَبِمَا}، بالفاء، وكذلك في مصاحفهم وأختاره أبو عبيد وأبو حاتم.
أخبرنا الحسين بن محمد المقري، حدثنا عبيد الله بن أحمد بن يعقوب، حدثنا رضوان بن أحمد، حدثنا أحمد بن عبد الجبار، حدثنا أبو معاوية الضرير عن إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، قال: لما نزلت هذه الآية {وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من اختلاج عرق ولا خدش عود ولا نكبة حجر إلاّ بذنب ولما يعفو الله عنه أكثر».
أخبرنا الحسين بن محمد بن فنجويه، حدثنا أبو بكر بن مالك القطيعي، حدثنا بشر بن موسى الأسدي، حدثنا خلف بن الوليد، حدثنا مروان بن معاوية، حدثني الأزهر بن راشد الكاهلي، عن الخضر بن القواس العجلي، عن أبي سخيلة، قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب الله حدثنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ}، قال: «وسأفسرها لك يا عليَّ: ما أصابكم في الدنيا من بلاء أو مرض أو عقوبة فاللّه أكرم من أن يثنّي عليكم العقوبة في الآخرة، وما عفا عنه في الدنيا فالله أحلم من أن يعود بعد عفوه».
قال: بإسناده عن خلف بن الوليد، عن المبرك بن فضالة، عن الحسن، قال: دخلنا على عمران بن الحصين في مرضه الشديد الّذي أصابه، فقال رجل منّا: إنّي لا بد أن أسألك عما أرى من الوجع بك، فقال عمران: يا أخي لا تفعل فوالله أن أحبّه إليَّ أحبّه إلى الله تعالى. قال الله تعالى: {وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ}. هذا بما كسبت يداي وعفو ربّي تعالى فيما بقي.
أخبرنا الحسين بن محمد بن فنجويه، حدثنا موسى بن محمّد بن علي، حدثنا جعفر بن محمد الفرماني، حدثنا أبو خثيمه مصعب بن سعيد، حدثنا زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن مرة الهمذاني، قال: رأيت على ظهر كف شريح قرحة، قلت: يا أبا أمامة ما هذا؟ قال: {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ}.
أخبرنا الحسين بن فنجويه الدينوري، حدثنا أبو بكر بن مالك القطيعي، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني إبراهيم بن الحسن الباهلي المقري، حدثنا حمّاد بن زيد أبو إسماعيل عن ابن عون، عن محمد بن سيرين، قال: لما ركبه الدَّين اغتمّ لذلك، فقال: إنّي لأعرف هذا العلم، هذا بذنب أصبته منذ أربعين سنة.
أخبرنا ابن فنجويه، حدثنا موسى بن محمد، حدثنا أبو بشر أحمد بن بشر الطيالسي، حدثني بعض أصحابنا، عن أحمد بن الحواري، قال: قيل لأبي سلمان الدارابي: ما بال العقلاء أزالوا اللّوم عمن أساء إليهم؟ قال: لأنّهم علموا أنّ الله تعالى إنّما ابتلاهم بذنوبهم، قال الله تعالى: {وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ}.
أخبرنا إبن فنجويه، حدثنا محمد بن عبد الله بن برزة، حدثنا اسماعيل بن اسحاق القاضي، حدثنا عاصم بن علي، حدثنا ليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سعد بن سنان، عن أنس بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أراد الله تعالى بعبدِه الخير عجّل له العقوبة في الدّنيا، وإذا أراد الله بعبده الشّر أمسك عليه بذنبه حتّى يوافي به يوم القيامة».
وقال عكرمة: ما من نكبة أصابت عبداً فما فوقها إلاّ بذنب لم يكن الله ليغفر له إلاّ بها، أو درجة لم يكن الله ليبلّغه إلاّ بها.
أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد، حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن رجاء، حدثنا الحسن بن سفيان، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع، عن ابن أبي داود، عن الضحاك، قال: ما تعلمَّ رجلٌ القرآن ثمّ نسيه إلاّ بذنب، ثمّ قرأ {وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}، ثمّ قال: وأي مصيبة أعظم من نسيان القرآن. وقال الحسن في هذه الآية: هذا في الحدود.
{وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأرض} هرباً. {وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ الله مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ * وَمِنْ آيَاتِهِ الجوار} يعني السّفن، واحدتها جارية وهي السائرة في البحر، قال الله تعالى: {حَمَلْنَاكُمْ فِي الجارية} [الحاقة: 11].
{فِي البحر كالأعلام} أي الجبال، مجاهد: القصور، واحدها علم.
وقال الخليل بن أحمد: كلّ شيء مرتفع عند العرب فهو علم.
قالت الخنساء ترثي أخاها صخراً:
وإنّ صخراً لتأتمّ الهداة به *** كأنّه علم في رأسه نار
{إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الريح فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ} ثوابت وقوفاً {على ظَهْرِهِ} أي على ظهر الماء. {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ * أَوْ يُوبِقْهُنَّ} يهلكهنّ. {بِمَا كَسَبُوا} أي بما كسب أصحابها وركبانها من الذنوب. {وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ} فلا يعاقب عليها ويعلم.
قرأ أهل المدينة والشام بالرفع على الاستئناف كقوله في سورة براءة: {وَيَتُوبُ الله على مَن يَشَآءُ} [التوبة: 15]، وقرأها الآخرون نصباً على الصرف كقوله تعالى: {وَيَعْلَمَ الصابرين} [آل عمران: 142] صرف من حال الجزم إلى النصب استحقاقاً وكراهة لعوال الجزم، كقول النابغة:
فإن يهلك أبو قابوس يهلك *** ربيع النّاس والشهر الحرامُ
ونمسك بعده بذناب عيش *** أجبّ الظهر له سنامُ
وقال آخر:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله *** عارٌ عليك إذا فعلت عظيم
{وَيَعْلَمَ الذين يُجَادِلُونَ في آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ} محيد عن عقاب الله تعالى. {فَمَآ أُوتِيتُمْ مِّن شَيْءٍ} من رياش الدّنيا وقماشها. {فَمَتَاعُ الحياة الدنيا} وليس من زاد المعاد. {وَمَا عِندَ الله} من الثواب. {خَيْرٌ وأبقى لِلَّذِينَ آمَنُواْ وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * والذين يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثم}.
قرأ يحيى بن رثاب وحمزة والكسائي وخلف هاهنا وفي سورة النجم كبير على التوحيد وفسروه الشرك عن ابن عباس، وقرأ الباقون {كَبَائِرَ} بالجمع في السورتين، وقد بينا اختلاف العلماء في معنى {الكبائر} والفواحش. قال السدّي: يعني الزنا، وقال مقاتل: موجبات الخلود.
{وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ} يتجاوزون ويتحملون.


{وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44) وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ (45) وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (46) اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ (48) لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)}
{والذين استجابوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصلاة وَأَمْرُهُمْ شورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}، وقيل هذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه. حين لامه النّاس على إنفاق ماله كلّه، وحين شُتم فحلم.
أخبرنا ابن فنجويه، حدثنا عبيد الله بن محمد بن شنبه، حدثنا إسحاق بن صدقة، حدثنا عبد الله بن هاشم، حدثنا سيف بن عمر، عن عطية، عن أيوب، عن علي رضي الله عنه قال: اجتمع لأبي بكر رضي الله عنهما مال مرة فتصدق به كلّه في سبيل الخير، فلامه المسلمون وخطّأه الكافرون، فأنزل الله تعالى: {فَمَآ أُوتِيتُمْ مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الحياة الدنيا}... إلى قوله: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} خص به أبا بكر وعم به من اتبعه. {والذين إِذَآ أَصَابَهُمُ البغي هُمْ يَنتَصِرُونَ} ينتقمون من ظالميهم من غير أن يعتدوا.
وقال مقاتل: هذا في المجروح ينتصر من الجارح فيقتص منه. قال إبراهيم: في هذه الآية كانوا يكرهون أن يستذلوا فإذا قدروا عفو له.
{وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} سمي الجزاء بإسم الإبتداء وإن لم يكن سيئة لتشابههما في الصورة. قال ابن نجيح: هو أن يجاب قائل الكلمة القبيحة بمثلها، فإذا قال: أخزاه الله. يقول له: أخزاه الله، وقال السدّي: إذا شتمك بشتمة فاشتمه بمثلها من غير أن تعتدي.
أخبرنا ابن فنجويه، حدثنا إبن حنش المقري، حدثنا أبو القاسم بن الفضل، حدثنا علي بن الحسين، حدثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر، قال سفيان بن عيينة: قلت لسفيان الثوري: ما قوله تعالى: {وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} أن يشتمك رجل فتشتمه؟، أو أن يفعل بك فتفعل به؟ فلم أجد عنده شيئاً فسألت هشام بن حجير عن هذه الآية، فقال: الجارح إذا جرح تقتص منه وليس هو أن يسبك فتسبه.
وقال سفيان: وكان إبن شبرمة يقول: أليس بمكّة مثل هشام بن حجير فمن عفا فلم ينتقم. قال ابن عباس: فمن ترك القصاص وأصلح، وقال مقاتل: وكان العفو من الأعمال الصالحة فأجره على الله.
قال ابن فنجويه العدل، حدثنا محمد بن الحسن بن بشر، أخبرنا أبو العباس محمد بن جعفر بن ملاس الدمشقي، حدثنا أبو عبد الله أحمد بن إبراهيم بن بشر القريشي، حدثنا زهير بن عباد المدائني، حدثنا سفيان بن عينية عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا كان يوم القيامة، نادى مناد من كان له على اللهِ أجرٌ، فليقم، قال: فيقوم عنق كثير. قال: فقال: ما أجركم على الله، فيقولون: نحن الّذين عفونا عمّن ظلمنا، وذلك قوله تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله} فيقال لهم: ادخلوا الجنّة بإذن الله».
{إِنَّهُ} إنَّ الله {لاَ يُحِبُّ الظالمين}. قال ابن عباس: الّذين يبدأون بالظلم. لقوله تعالى: {وَلَمَنِ انتصر بَعْدَ ظُلْمِهِ فأولئك مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ * إِنَّمَا السبيل عَلَى الذين يَظْلِمُونَ الناس}.
مبتدئين به. {وَيَبْغُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الحق أولئك لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ}. فلم يكاف. {إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمور} وحزمها. {وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِن وَلِيٍّ مِّن بَعْدِه} يهديه أو يمنعه من عذاب الله.
{وَتَرَى الظالمين} الكافرين. {لَمَّا رَأَوُاْ العذاب يَقُولُونَ هَلْ إلى مَرَدٍّ} رجوع إلى الدّنيا. {مِّن سَبِيلٍ * وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا} أي على النّار {خَاشِعِينَ} خاضعين متواضعين {مِنَ الذل يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ} ذليل قد خفي من الذّلِ. قاله ابن عباس، وقال مجاهد وقتادة والسدّي والقرظي: سارقو النظر.
واختلف العلماء باللغة في وجه هذه الآية، فقال يونس: من بمعنى الياء، مجازه: بطرف خفيّ، أي ضعيف من الذل والخوفِ، وقال الأخفش: الطرف العين، أي ينظرون من عين ضعيفة، وقيل: إنّما قال: {مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ} لأنه لا يفتح عينه إنّما ينظر ببعضها، وقيل معناه: ينظرون إلى النّار بقلوبهم لأنّهم يحشرون عمياً، والنظر بالقلب خفيّ.
{وَقَالَ الذين آمنوا إِنَّ الخاسرين الذين خسروا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ القيامة أَلاَ إِنَّ الظالمين فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ} دائم. {وَمَا كَانَ لَهُم مِّنْ أَوْلِيَآءَ يَنصُرُونَهُم مِّن دُونِ الله وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِن سَبِيلٍ} طريق للوصول إلى الحقّ في الدّنيا والجنّةِ في العقبى، قد إنسدت عليه طرق الخير. {استجيبوا لِرَبِّكُمْ} بالإيمان والطاعة. {مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ الله مَا لَكُمْ مِّن مَّلْجَأٍ} معقل. {يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّكِيرٍ} منكم يغير ما بكم.
{فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ البلاغ وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقْنَا الإنسان مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإنسان كَفُورٌ * لِلَّهِ مُلْكُ السماوات والأرض يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً} فلا يكون له ولد ذكر.
أخبرنا الحسين بن محمّد بن فنجويه، حدثنا الفضل بن الفضل الكندي، حدثنا محمد بن الحسين الفرج، حدثنا أحمد بن الخليل القومي، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا حكيم بن حزام أبو سمير، عن مكحول، عن واثله بن الأسقع، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ من يمن المرأة تبكيرها بالأُنثى قبل الذّكر، وذلك إنّ الله تعالى يقول: {يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذكور}. ألا ترى إِنّه بدأ بالإناث قبل الذّكور».
{وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذكور} فلا يكون له أُنثى. {أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً} يجمع بينهما فيولد له الذُّكور والإِناث. تقول العرب: زوّجت وزوجت الصغار بالكبار. أي قرنت بعضها ببعض.
أخبرنا بن فنجويه، حدثنا طلحة وعبيد، قالا: حدثنا ابن مجاهد، حدثنا الحسين بن علي ابن العباس، حدثنا سهل بن عثمان، حدثنا عبيد الله، عن إسماعيل بن سلمان، عن أبي عمر، عن إبن الحنفية في قوله تعالى: {أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً}.
قال: التوائم.
{وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً} فلا يلد ولا يُولد له.
أخبرنا الحسين بن محمد بن الحسين، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا الحسن بن علوية، حدثنا إسماعيل بن عيسى، حدثنا إسحاق بن بشر، في قول الله تعالى: {يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذكور * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً} قال: نزلت في الأنبياء عليهم السلام ثمّ عمّت، {يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً} يعني لوطاً عليه السلام لم يولد له ذّكر إنّما ولد له ابنتان. {وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذكور} ويعنى إبراهيم عليه السلام لم يولد له أنثى {أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً} يعني النبي صلى الله عليه وسلم ولد له بنون وبنات {وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً} يعني يحيى وعيسى عليهم السلام.
{إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ}.
أخبرنا أبو محمد الحسين بن أحمد بن محمد المخلدي إملاء، أخبرنا أبو نعيم عبد الملك ابن محمد بن عدي، حدثنا عمار بن رجاء وعلي بن سهل بن المغيرة، قالا: حدثنا علي بن الحسن بن شقيق، أخبرنا ابن فنجويه، حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا ابن وهب، حدثنا إبراهيم بن سعيد، حدثنا علي بن الحسن بن شقيق، حدثنا أبو حمزة السّكري المروزي، عن إبراهيم الصائغ عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم النخعي، عن الأسود، عن عائشة «رضي الله عنها». قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ أولادكم هبة الله لكم {يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذكور} فهم وأموالهم لكم إذا إحتجتم إليها».
قال علي بن الحسن: سألني يحيى بن معين عن هذا الحديث.

1 | 2 | 3